• قصّة تمثيليّة

    قصّة تمثيليّة

    تمثّل ما لا ينصرف من الأسماء في تركيب الكلام

    أنس مسعودي الإندونيسي


    ليلا خرجتُ من البيت ماشيا جوعانَ, فمررت بفتاة اسمها ليلى َ, و رأيتها سُكْرى في جانبها رجل سَكرانُ مع الجماعة من الرّجال والنساء الذين يحتفلون بالمخدّرات سكارى في صحراءَ دون مصابيحَ تُضيؤها. وكلّ منهم مثنى مثنى ذكر و أنثى, فأفجأني المنظر, فإنّي رأيت صديقي يزيدَ سكرانَ أيضا معهم, ولم أصدّق هذا المنظر؛ فإنّي عرفت أنّه رجل طيّب حسن في المعاملة, كان ملازما بالمسجد, محبّا لمجلس التّعليم. ولكنّ الآن قد تغيّر الجوّ منعكسا في حياته. فماذا حدث به حتّى وقع في الوادي الأسود هذا؟ هل أصابه شيئ من حوادثَ سوداء أو مشاكلَ حمقاء في حياته لا يتحمّل مسؤوليّته؟ أو أصابه ضغط نفسيّ في ضميره؟ فتساءل قلبي عنه.



    و لكن... لماذا لا يفوّض أموره إلى مدبّر الأمور, الذي يُبليه به؟
    نحن لا نعرف هل المصيبة التي تصيبنا هي بلاء علينا أو بلاء لنا أو تنبيه أو تحذير لنا لنحاسب ما ارتكبناه من الأعمال و ما قلناه و ما سمعناه ممّا لا يرضى عنه ربّنا؟ ألم يتذكّر أنّ الحياة في هذه الدنيا الفانية بلاء؟ كما قال الله تعالى: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)" ( الملك: 1- 2). كيف أصبح رجل صالح طالحا؟ وما السرّ في ذلك؟ فلا يعرفه إلاّ الله. والله فعّال لما يريد.
    ثمّ تركتهم سكارى على ما يفعلونه؛ فإنّي حينئذ في حالة مثل حالة أخيرة من حالات مَن رأى منكرا, كما في الحديث "من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده, فإن لم يستطع فليغيّره بلسانه, فإن لم يستطع فليغيّره بقلبه,ألا وهو أضعف الإيمان", فلم أجد القدرة في نفسي على تغيير ذلك المنظر ولو بمجرّد كلام, فإنّ بينهم زميلي القريب و صديقي الحميم, وكأنّ لساني حينئذ معقّد لا يَنطِق, ويسكت من كلّ ما يُنطَق. فاتّجهْتُ إلى حانوت من حوانيت
    [1] شعبيّة لشراء طعام خفيف و القهوة المحلوبة.



    ثمّ عدتُ رجعا إلى البيت, وفي الطريق التقيت صاحبي أحمدَ, ورأيته حائرا حزينا يلتفت يمينا وشمالا, و كأنّه يبحث عن شيئ ضائع, فسلّمت عليه و سألته: ماذا تبحث عنه صديقي؟ قال: مصيبة ... مصيبة! فقلت: مصيبة؟ ماذا تقصد؟ قال: أختي ... أختي...! وقلت مستفهما منه: ماذا حدث بأختك؟ ولماذا هي؟ قال: أختي في مثل هذا الوقت لم ترجع إلى البيت, والآن ساعة عاشرة, وأنا مسؤول عن سلامتها ومصلحتها على الإطلاق. قلت: كيف كذلك؟ أليست مسؤوليّة الأولاد على الوالدين؟ أين والداك؟ قال لي متأسّفا باكيا: فإنّ والديّ مشغولان بشؤون شغلهما في الشركة. كلاهما يخرجان من البيت صباحا مبكّرا وأنا أحيانا لم أستيقظ, ويرجعان قرب جوف الليل. وفي العطلة يقضيانها مع زملاء الشركة. وهذا حدث منذ كوني في سنّ عشرة و أختي في سبعة حتّى الآن.



    يوما سألت أبي طالبا منه وقت فراغه ليتمشّى معي و أختي إلى مكان مّا: يا أبتاه...! ألم تكن لديك الفرصة لتكون معنا في مناسبة مّا؟ فردّ عليّ غضبانَ يقول: آ بنيّ! لماذا سألتني هكذا؟ أنا أبوك, أعرف ماذا يصلح لك, وكلّ ما فعلته أنا وأمّك لمصلحتك! هكذا كلّما سألته عن ذلك يغضب عليّ, وأنا لا أدري إلى متى يتركنا والدانا؟ والآن هما في السفر خارج البلاد منذ الأسبوع ولم يرجعا حتّى الآن. مهما كانت حاجات ومتطلّبات حياتنا كلّها متوفّرة جاهزة أمامنا, لكن ... أين رحمة الأمّ بنا؟ أين شفقة الأب لنا؟ أين اهتمام الوالدين بأمور حياتنا؟ هل الطفل يستطيع أن يميّز بين الخير والشرّ, بين الحقّ والباطل دون الإرشاد؟ كيف ينمو الطفل متخلّقا متأدّبا من دون اهتمام الوالدين و لا التربية الصحيحة؟ هيهات ... هيهات. َواحزْناه!!! الحياة ..... الحياة.....



    فقلت: اصبر يا صديقي...! ما اسم أختك هذه؟ فإنّي مررت قبل قليل بفتاة تشبهك تماما وَجهاً ثَمّة. قال: اسمها ليلَى. قلت: ليلى...! فأفجأني جوابه, ما ظننتُ أنّ تلك المرأة التي مررت بها سكْرى هي أختُه, فسكتُّ لحظة, فقلت له: عسى الله أن يجعلك صبورا متحمّلا على ما أصابك, فإنّ الله إذا أحبّ عبدا ابتلاه ابتلاء حسنا. فقال لي متبادرا في استفسار: لماذا قلت ذلك؟ ماذا أصابها؟ قلت: إنّي رأيتها مع الجماعة من الرّجال والنّساء, كأنّهم يحتفلون ثمّة في الصّحراء و لكن لم أعتقد انّها أختك. تعال نمشي معا أرافقك إليها لنتأكّد هل هي أختك أم لا, ثمّ مشينا إلى تلك الصحراء.



    وفي الطريق سألته عنها قائلا: يا أحمدُ! أيمكنني أن أعرف كيف كانت أختك؟ هل أصابها ما يجعلها حزينة في حياتها حتّى لم ترجع إلى البيت ليلا مثل الآن؟ منذ متى فعلت ذلك؟ فسكت مدّة, ثمّ قال: هي فعلت منذ رفضت أمّي قبول رجل تحبّه كعضو من أسرتنا. إنّها مولعة به و أرادت أن تتزوّجه, ولكن بعد ما عرفت أمّي أنّ هذا الرجل من أسرة فقيرة - وهو رجل صالح عالم في الدين متخلّق, وأنا أوافقه وأقبل أن يكون من أسرتي-, رفضت وقالت لها أمّي: من اليوم لا تواصلي هذه العلاقة به! أنا لا أرضى أن تعيشي معه, سأبحث لك عن رجل مناسب لك. فاستجابت أختي باكية راجية: أمّاه! كيف أتركه, وأنا أحبّه كلّ الحبّ, كأنّ حياتي متعلّقة به, و كأنّها ستفقد منّي بدونه. فقالت لها: يا ابنتي! أنت لم تكن لديكِ الخبرة أكثر منّي في الحياة. أنا سأبحث لك عن رجل يسرّك في حياتك. فهربت منها أختي و دخلت باكية في الحجرة. فلا تريد الأكل ولا الشرب ولا الخروج حتّى الأسبوع.



    ثمّ خرجتْ يوما من الحجرة ويبدو أنّ الحزن قد ذهب منها, ولكن (استدرك أحمدُ كلامه) قد تغيّرت أحوالها غريبة عنّا حتّى الآن. هكذا... فقلت له: أستغفر الله! إذاً هي تحتاج إلى طبيب الحياة. عسى الله أن يفتح لها قلبها لقبول الهداية والخيرات. ويستحسن أن تمشي بها يوما إلى مكان مّا مريح مُسِرّ لها وينبغي لك أن تراعيها دون تشدّد في أيّامها, وحاولْ أن تُفهِمها أنّ كلّ شيئ يحبّه شخص لا يلزمه أن يملكه, و نحن بشر خلقنا ضعفاء, فعلينا الاختيار و لربّنا الاقتدار وعليه التوكّل.



    ثمّ وصلنا إلى تلك الصحراء التي نقصدها, ورأينا أنّ فيها جماعة لا يزلون يحتفلون بمناسبة العام الجديد المسيحي, فأريتُ أحمدَ تلك الفتاة التي ذكرتها, فأمعن نظره إليها, ولم يصدّق ما رأى من حالة أختها سكرى. فمسك بيدها, فأبت قائلة: من أنت؟ قال لها أحمد: أستغفر الله! أنت لا تعرفينني... هذا لقد تخدّر الأمر. فأجبرها في المشي معه فورا دون كلام إلى بيته. وأنا تركته معها متّجهيَن إلى منزله. ثمّ قام أحمد بمعالجة أخته.



    ثمّ فعل لأخته أحمدُ ما قلت له, ووفّقها الله إلى الرجوع إلى سبيله المستقيم, ثمّ تزوّج بها رجل عالم مدرّس في الجامعة اسمه طلحةُ, وهو تخرّج في جامعة من جامعات القاهرة. ودُعيتُ في يوم عقدها وزفافها, رأيتها مسرورة بزوجها. وحضر أيضا أصدقاء زوجها, فمنهم من جاء من حضرموتَ, اسمه عِمرانُ, و من مكّةَ المكرّمةِ عمرُ, وأصدقاؤه في التدريس يحي, عثمان, حمزة. وكذلك صديقاتها (ليلى) مريم, وسلمى, وزينب, وفاطمة وغيرها, وكثير من أقرباء و زملاء و أصدقاء لهما حضروا في ذلك اليوم. والعقد عقد في مسجد, أكبر مساجد في بلدنا. والذي قام بالعقد هو شيخ من مشايخ مصر جاء في بلدنا لمناسبة ذكرى مولد النبيّ صلى الله عليه و سلّم. وما أحلى قول الشّاعر:
    لا فرح كفرح العَروسْ # و لا وجع كوجع الضُرُوسْ



    التعليقات:
    قال أ. د. عبد الرّحمن علي سليمان في "توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: "ما لاينصرف من الأسماء ينقسم إلى قسمين:
    1. ممنوع من الصرف لعلّة واحدة, وهو على نوعين:
    - المختوم بألف التأنيث مقصورة كانت الألف (مثل: ليلى) أو ممدودة (مثل: صحراء), معرفة كان الاسم (مثل: سلمى) او نكرة (ذكرى), مفردا كان (مثل: سكرى) أو جمعا (مثل: سكارى).
    - ما صيغ على وزن صيغة منتهى الجموع (على وزن مفاعل أو مفاعيل) مبدوءا بميم كان الجمع (مثل: مصابيح – مساجد) أو مبدوءا بغيرها (مثل: عناصر- تجارب).



    2. ممنوع من الصرف لعلّّتين (لفظيّة و معنوية), وهو على نوعين:
    - الوصفية مع زيادة الألف والنّون (مثل: سكران- جوعان), أو مع وزن الفعل (مثل: أكبر), أو مع العدل (مثل: مثنى من اثنين-اثنين ).
    - العَلميّة مع زيادة الألف و النّون (مثل: عثمان – عمران- سلمان), أو مع وزن الفعل (مثل: أحمد), أو مع العدل (مثل: عمر؛ من عامر), أو مع التركيب المزجيّ (مثل: حضر موت), أو مع التأنيث (مثل: فاطمة – زينب – حمزة), أو مع العجم (مثل: مريم)



    ويمكننا أن نجمع تلك الأسباب التي تمنع الأسماء من الصرف في بيت واحد, حيث قاله القائل:



    اِجْمعْ وَزِنْ عادلا أنـِّثْ بمعرفة # رَكّبْ و زِدْ عُجْمةً فالوصف قد كمُلا



    يعني: اجعل من موانع الصرف للأسماء جمعا أو ملحقا به على صيغتي "مفاعل و مفاعيل", واجعل منها وزن الفعل, والعدل, و التأنيث (لفظا ومعنى مثل فاطمة-عائشة, أو لفظا فقط دون معنى مثل حمزة - طلحة, أو معنى فقط مثل زينب – مريم, ويدخل فيه المختوم بالألف المقصورة والألف الممدودة مثل ما ذكر), والتركيب المزجيّ, والعجم مع العَلميّة أو مع الوصفيّة.




    التنبيه:
    هذه القصّة خياليّة تمثيليّة غير واقعيّة كتبتها متصوّرا عمّا حدث -ومازال يحدث- في واقع المجتمع حسب ما عرفته. فإذا وجد قارئ اسمَه مكتوبا في هذه القصّة فهو صدفة فقط دون قصد منّي أنّ ذلك الاسم اسم القارئ. فما أسماء في هذه القصّة إلاّ خياليّة.

    [1] . الذي يبيع الأطعمة الشعبية

0 comments:

Leave a Reply

Monggo dikomentari ...